هل تعرف الدار عفت أندابها
للشاعر: رؤبة بن العجاج
هَلْ تَعْرِف الدارَ عَفَت أَنْدابُها
فَهَاجَ شَوْقاً شائِقاً ذَهابُها
فَدَمْعُ عَيْنِي لَا يَنِي تَسْكَابُهَا
ذَكَّرَهَا مِنْ طَرَبٍ أَطْرابُها
وَالبِيضُ حَيْث أَرِجَت أَطْبابُها
ذَكِيَّ مِسْكٍ شَبَهٍ ملابُها
كَأَنَّهَا مِنْ طُولِ مَا يَنْتَابُها
إِنْجِيل أَحْبارٍ وَحَى كُتَّابُها
وَقَدْ تُري مُؤْتَلِفا أَتْرابُها
أَزْمان أَرْوَي رُؤْدَةٌ شَبَابُها
مَهَاةُ خُنْسٍ عَذْبَةٌ رُضَابُهَا
يُلْقَى بِعِطْفَيْ شارِع أَخْطَابُهَا
مَزْؤُودَةٌ لَا يَنْجلِي غُرَابُهَا
فَقَدْ مَضَى مِنْ حِجج أَحْقَابُهَا
وَبَلْدَةٍ مُغْبَرَّة أَقْرابُهَا
لَمَّاعَةٍ مَوْصُولَةٍ سِهابُهَا
بِأَرْضِ حَرٍّ قَذَفٍ يبَابُهَا
يَجْرِي بضَحْضَاحِ الضُحَى سَرَابُها
إِذا عُلاَة أَطْرَدَتْ حِدَابُها
تَعْوِي بِسِقْطَيْ مُقْفِرٍ ذِئَابُها
يَحْبُو بِحَابٍ ضَفِر أَصْلاَبُها
إِلَى نِعَافٍ جُنَّح أَنْصَابُها
تَعَسَّفَتْهَا قُلُصٌ تَجْتَابُها
إِلَى دِفَانٍ سُدُم أَشْرابُها
عَلَيْهِ مِنْ رِيش القَطَا أَزْغابُهَا
إِذَا المَهَارِي دَمِيَت أَنْقابُها
فِي سُبُلٍ ضَحَّاكَةٍ نِقَابُها
وَقَدْ يُلِذُّ رائِداً جَنَابُهَا
يَحْلِي بِنَضّاح النَدَى أَعْشَابُها
تَرَاوَحَتْها خُلَّج أَهْوَابُها
فَلَا تَنِي سَارِيةٌ تَنْتَابُها
وَغادِيَات سُحَّج أَهْبابُها
وَدَجْنُ غَيْنٍ حَرِجٍ ذِهَابُها
يَنْهَضُ مِنْ عَوْرَتِهِ سَحَابُها
تَبْرَقُ حِينَ يَسْتَوِي رَبَابُها
مِنْ حَوْمِ غَيْنٍ سَرِب أَسْرَابُها
فِي دِيَمٍ تَسَاقَطَت أَهْدَابُها
وَقَدْ تَرَي حَرّاً رَكَاماً لاَبُها
بِهَا وَأَنْضَاداً رَسَتْ هِضَابُها
وَالخَيْلُ تَعْدُو القَفَزَى عِرَابُها
بِأُسْدِ غاب يُتَّقَى تَوْثَابُها
تَضْبِرُ حِينَ يُبْتَلَى ضِرابُها
فِي أَجَمٍ مِن الرِّماحِ غابُها
وَقُلْتُ جِدّاً يَرْتَمِي إِعْتَابُها
فِي كُلِّ نَحْوِ يَنْتَحِي جَوَابُها
إِذَا القَوَافِي أَسْمَح اقْتِضَابُها
سامَح أَوْ يَنْتَحِب انْتِحَابُها
مِنْ نُجُبٍ عَادِيَّة أَحْسَابُها
وَغارَةٍ مُسْتَوْعِبٍ إِيعَابُها
فِي فِتْنَةٍ يَلْتَهِبُ الْتِهَابُها
شَهْبَاءَ فِي مُسْتَوْقِدٍ شِهَابُهَا
تَحْمِي إِذَا تَحَزَّبت أَحْزَابُها
قُمْنَا بِهَا حَتَّى خَبَا أَجْلاَبُها
وَاجْتَحَرتْ مِنْ خَوْفِنَا أَحْضابها
وَطارَ فِي طَيَّارِهِ ضَبابُها
عَنَّا وَقَد أَرْهَبَهَا إِرْهابُها
وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّنَا أَصْحابُها
لَمَّا عَوَتْ مِنْ كَلَبٍ كِلاَبُها
كَانَ عَلَيْنَا بِالشَبَا عِقَابُها
وَحُسَّدٌ لَمْ يَنْكِنَا تِكْذَابُها
إِنَّ تَمِيماً بَرِئَتْ عِتَابُها
مِنْ كُلِّ عَيْبٍ مُعْتَب أَعْيَابُها
وَصَار أَهْلَ عَيْبَةٍ عُيَّابُهَا
لَمْ يَلْتَبِسْ بَقَذْرَةٍ ثِيابُها
وَأَكْذَبَتْ بِالْغَيْبِ مَنْ يَغْتَابُها
جَاءَتْ تَمِيمٌ وَاقِعاً غُرَابُها
بِطاعَةٍ لَيِّنَةٍ رِقَابُها
إِلَى الَّذِي مِن أَصْلِهِ نِصَابُها
وَمِنْ تُرَاب أَرْضِهِ تُرَابُهَا
وَفِي عُرَى أَسْبَابِه أَسْبَابُها
حَتَّى يَنَالَ آدَمَ انْتِسابُها
يَهْوِي حِيَال أَوْبِهِ مَآبُها
خَلِيفَةُ اللَّهِ الَّذِي إِجْلابُها
إِلَيْهِ حِينَ يَرْتَمِي عُبابُها
أَو حَفَشْتْ مِنْ ثَغَبٍ ثِغابُها
بِالسَّيْلِ حَتَّى اسْتَجْمَعَتْ رِغابُها
دَوَالِقاً يَنْثَعِبُ انْثِغابُها
إِلَى جَبىً وَاسِعَةٍ رِحابُها
تَسْقِي وَتُسْقَى الدِفِقَى ذِنَابُها
كَمْ مِنْ عِديً مَذْرُوبَة أَذْرابُها
إِذَا القُرُومُ اصْطَخَبَ اصْطِخابُها
وَأَصْلَقَتْ مِنْ حَرَد أَنْيَابُها
أَسْكَتَ خَوْفَ رَدِّنَا قَبْقابُها
وَإِنْ تَمِيمٌ بَذِخَت صِعَابُها
أَذَلَّ أَعْناق العِدَى جِذابُها
بِالحَصْد أَوْ مُخْتَنِقٍ سِآبُها
وَكَسْرُها الأَعْناقَ وَاعْتِصابُها
عَرْساً وَهَرْساً مَعِكاً جِرابُها
يَنْفَلُّ مِنْ قَارِفِها ذِنابُها
وَغَلَبَتْ فِي نَائِبٍ يَنْتَابُها
وَأُمَّةٍ تَحَزَّبَت أَحْزَابُها
مِنْ ساسَة النَّاسِ وَمَن أَرْبابُها
إِذَا الحُدُود اعْتُلِبَت أَعْلابُها
لَمْ يَلْتَبِسْ بِحَقِّنا مُرْتَابُها
وَإِنْ قُرَيْشٌ نَابَ مُسْتَنَابُها
أَوْ عَصَّبَت أَوْ ثَأَرَتْ عِصَابُها
وَرَابَهَا بِاللَّهِ وَارْتِيَابُها
تَنْمِي بِه إِلَى العُلا أَحْسَابُها
وَمَكْرُماتٌ وَاجِبٌ مُنْجَابُها
مَا فَوْقَ حَيْثُ يُبْتَنَى منابُها
اِلَّا سَماء اللَّهِ أَوْ حِجَابُها
أَوْتَادُهَا إِذْ مَدَّهَا أَطْنَابُها
فِي خالِداتٍ رُسَّب أَرْسابُها
وَالحَرْبُ حِينَ اشْتَغَبَ اشتِغابُها
وَخَفَقَتْ فِي حَصِدٍ عُقَابُها
نَرُدُّهَا مُفَلَّلا أَنْيَابُها
إِذَا الأُمُور عَلِمَت أَطبَابُها
وَطَاحَ عَنْ مُصْدَقِنَا تِكْذَابُها
وَإِنْ جَرَى فِي غِيَّةٍ آلاَبُها
لَمْ نَغْوِ حَتَّى رَجَعَت أَلْبابُها
وَإِنْ عُصِينَا كَبَّهَا كَبَابُها
وَتَلَّهَا فِي تِبَّةٍ تَبَابُها
وَالحَرْبُ حِينَ يَلْتَقِي آشَابُها
وَسَمُّهَا شَعْشَاعُهُ لُعَابُها
تَزِلُّ عَنْ هَضْبَتِنَا شِعَابُها
وَعَنْ جِبَالٍ صَعْبَةٍ شِقَابُها
0 أبيات مختارة
عن الشاعر
رؤبة بن العجاج
