من خالف الحزم خانته معاذره
للشاعر: محمود سامي البارودي
مَنْ خَالَفَ الْحَزْمَ خَانَتْهُ مَعَاذِرُهُ
وَمَنْ أَطَاعَ هَواهُ قَلَّ نَاصِرُهُ
وَمَنْ تَرَبَّصَ بِالإِخْوَانِ بَادِرَهً
مِنَ الزَّمَانِ فَإِنَّ اللَّهَ قَاهِرُهُ
لا يَجْمُلُ الْمَرْءُ فِي ظَرْفٍ وَفِي أَدَبٍ
مَا لَمْ تَكُنْ فَوْقَ مَرْآهُ سَرَائِرُهُ
وَمَا الصَّدِيقُ الَّذِي يُرْضِيكَ بَاطِنُهُ
مِثْلُ الصَّدِيقِ الَّذِي يُرْضِيكَ ظَاهِرُهُ
قَدْ لا يَفُوهُ الْفَتَى بِالأَمْرِ يُضْمِرُهُ
وَبَيْنَ عَيْنَيهِ مَا تُخْفِي ضَمَائِرُهُ
أَسْتَودِعُ اللَّهَ عَصْرَاً قَدْ خَلَعْتُ بِهِ
عُذْرَ الْهَوَى وَهْوَ غَضَّاتٌ مَكَاسِرُهُ
لَمْ يَمْضِ مِنْ حُسْنِهِ مَا كُنْتُ أَعْهَدُهُ
حَتَّى أَصَابَ سَوَادَ الْقَلْبِ نَاقِرُهُ
كَيْفَ الْوُصُولُ إِلَى حَالٍ نَعِيشُ بِهَا
وَالدَّهْرُ مَأْمُونَةٌ فِينَا بَوَادِرُهُ
إِذْ لا صَدِيقَ يَسُرُّ السَّمْعَ غَائِبُهُ
وَلا رَفِيقَ يَرُوقُ الْعَيْنَ حَاضِرُهُ
كُنَّا نَوَدُّ انْقِلابَاً نَسْتَرِيحُ بِهِ
حَتَّى إِذَا تَمَّ سَاءَتْنَا مَصَايِرُهُ
فَالْقَلْبُ مُضْطَرِبٌ فِي مَا يُحَاوِلُهُ
وَالْعَقْلُ مُخْتَبَلٌ مِمَّا يُحَاذِرُهُ
قَدْ كَانَ في السَّلَفِ الْمَاضِينَ نَافِعُهُ
فَصَارَ فِي الْخَلَفِ الْبَاقِينَ ضَائِرُهُ
مَا أَبْعَدَ الْخَيْرَ في الدُّنْيَا لِطَالِبِهِ
وَأَقْرَبَ الشَّرَّ مِنْ نَفْسٍ تُحَاذِرُهُ
أَكُلَّمَا مَرَّ مِنْ دَهْرٍ أَوَائِلُهُ
كَرَّتْ بِمِثْلِ أَوَالِيهِ أَوَاخِرُهُ
إِنْ دَامَ هَذَا أَضَاعَ الرُّشْدَ كَافِلُهُ
فِي مَا أَرَى وَأَطاعَ الْغَيَّ زَاجِرُهُ
تَنَكَّرَتْ مِصْرُ بَعْدَ الْعُرْفِ وَاضْطَرَبَتْ
قَوَاعِدُ الْمُلْكِ حَتَّى رِيعَ طَائِرُهُ
فَأَهْمَلَ الأَرْضَ جَرَّا الظُّلْمِ حَارِثُهَا
وَاسْتَرْجَعَ الْمَالَ خَوْفَ الْعُدْمِ تَاجِرُهُ
وَاسْتَحْكَمَ الْهَوْلُ حَتَّى مَا يَبِيتُ فَتىً
فِي جَوْشَنِ اللَّيْلِ إِلَّا وَهْوَ سَاهِرُهُ
وَيْلُمِّهِ سَكَناً لَوْلا الدَّفِينُ بِهِ
مِنَ الْمَآثِرِ مَا كُنَّا نُجَاوِرُهُ
أَرْضَى بِهِ غَيْرَ مَغْبُوطٍ بِنِعْمَتِهِ
وَفي سِوَاهُ الْمُنَى لَوْلا عَشَائِرُهُ
يَا نَفْسُ لا تَجْزَعِي فَالْخَيْرُ مُنْتَظَرٌ
وَصَاحِبُ الصَّبْرِ لا تَبْلَى مَرَائِرُهُ
لَعَلَّ بُلْجَةَ نُورٍ يُسْتَضَاءُ بِهَا
بَعْدَ الظَّلامِ الَّذِي عَمَّتْ دَيَاجِرُهُ
إِنِّي أَرَى أَنْفُسَاً ضَاقَتْ بِمَا حَمَلَتْ
وَسَوْفَ يَشْهَرُ حَدَّ السَّيْفِ شَاهِرُهُ
شَهْرَانِ أَوْ بَعْضُ شَهْرٍ إِنْ هِيَ احْتَدَمَتْ
وَفِي الْجَدِيدَيْنِ مَا تُغْنِي فَوَاقِرُهُ
فَإِنْ أَصَبْتُ فَعَنْ رَأْيٍ مَلَكْتُ بِهِ
عِلْمَ الْغُيُوبِ وَرَأْيُ الْمَرْءِ نَاظِرُهُ
0 أبيات مختارة
عن الشاعر
محمود سامي البارودي
مجلس قراء هذه القصيدة
مساحة للتذوق الفني وتبادل الآراء حول الأبيات
