شعار الديوان التميمي

لهوى الكواعب ذمة لا تخفر

للشاعر: محمود سامي البارودي

لِهَوَى الْكَوَاعِبِ ذِمَّةٌ لا تُخْفَرُ
وَأَخُو الْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ لا يَغْدِرُ
فَعَلامَ يَنْهَانِي الْعَذُولُ عَنِ الصِّبَا
أَوَلَيْسَ أَنَّ هَوَى النُّفُوسِ مُقَدَّرُ
قَدْ كَانَ لِي فِي بَعْضِ مَا صَنَعَ الْهَوَى
عُذْرٌ وَلَكِنْ أَيْنَ مَنْ يَتَبَصَّرُ
وَمِنَ الْبَلِيَّةِ غَافِلٌ عَمَّا جَنَتْ
يَدُهُ عَلَيَّ وَلائِمٌ لا يَعْذِرُ
لَمْ يَدْرِ مَنْ كَحَلَ الْكَرَى أَجْفَانَهُ
مَاذَا يُكَابِدُ فِي الْهَوَى مَنْ يَسْهَرُ
يَا غَافِلاً عَنِّي وَبَيْنَ جَوانِحِي
لَهَبٌ يَكَادُ لَهُ الْحَشَا يَتَفَطَّرُ
دَعْنِي أَبُثكَ بَعْضَ مَا أَنَا وَاجِدٌ
وَاحْكُمْ بِمَا تَهْوَى فَأَنْتَ مُخَيَّرُ
فَلَو اطَّلَعْتَ عَلَى تَبَارِيحِ الْجَوَى
لَعَلِمْتَ أَيُّ دَمٍ بِحُبِّكَ يُهْدَرُ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ قَبْلَ حُبِّكَ أَنَّنِي
أُغْضِي عَلى مَضَضِ الْهَوانِ وَأَصْبِرُ
أَوْرَدْتَنِي بلِحاظِ عَيْنِكَ مَوْرِداً
لِلْحُبِّ مَا لِلْقَلْبِ عَنْهُ مَصْدَرُ
هِيَ نَظْرَةٌ كَانَتْ ذَرِيعَةَ صَبْوَةٍ
وَاللَّحْظُ أَضْعَفُ مَا يَكُونُ وَأَقْدَرُ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ قَبْلَ وَحْيِ جُفُونِهَا
أَنَّ الْعُيُونَ الْجُؤْذُرِيَّةَ تَسْحَرُ
ظَلَمُوا الأَسِنَّةَ خَاطِئِينَ وَلَيْتَهُمْ
عَلِمُوا بِمَا صَنَعَ السِّنَانُ الأَحْوَرُ
أَمُطَاعِنَ الْفُرْسَانِ فِي حَمَسِ الْوَغَى
أَقْصِرْ فَرُمْحُكَ عَنْ غَريمِكَ أَقْصَرُ
أَيْنَ الْرِّمَاحُ مِنَ الْقُدُودِ وَأَيْنَ مِنْ
لَحْظٍ تَهِيمُ بِهِ السِّنَانُ الأَخْزَرُ
هَيْهَاتَ يَثْبُتُ فِي الوَقِيعَةِ دَارِعٌ
يَسْطُو عَلَيْهِ مُخَلْخَلٌ وَمُسَوَّرُ
لِلْحُسْنِ أَسْحِلَةٌ إِذَا مَا اسْتَجْمَعَتْ
فِي حَوْمَةٍ لا يَتَّقِيهَا مغْفَرُ
فَالْلَّحْظُ عَضْبٌ صَارِمٌ وَالْهُدْبُ نَبْ
لٌ صَائِبٌ وَالْقَدُّ رُمْحٌ أَسْمَرُ
أَنَّى يَطِيشُ عَنِ الْقُلُوبِ لِغَمْزَةٍ
سَهْمٌ وَقَوْسُ الْحَاجِبَيْنِ مُوَتَّرُ
يَا لَلْحَمِيَّةِ مِنْ غَزَالٍ صَادَنِي
وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ يَصِيدَ الْجُؤْذَرُ
بَدْرٌ لَهُ بَيْنَ الْقُلُوبِ مَنَازِلٌ
يَسْرِي بِهَا وَلِكُلِّ بَدْرٍ مَظْهَرُ
انْظُر لِطُرَّتِهِ وَغُرَّةِ وَجْهِهِ
تَلْقَ الْهِدَايَةَ فَهوَ لَيْلٌ أَقْمَرُ
نَادَيْتُ لَمَّا لاحَ تحْتَ قِنَاعِهِ
هَذَا الْمُقَنَّعُ فَاحْذَرُوا أَنْ تُسْحَرُوا
طَبَعَتْهُ فِي لَوْحِ الْفُؤَادِ مَخِيلَتي
بِزُجَاجَةِ الْعَينَينِ فَهُوَ مُصَوَّرُ
وَسَرَتْ بِجِسْمِي كَهْرَبَاءةُ حُسْنِهِ
فَمِنَ الْعُرُوقِ بِهِ سُلُوكٌ تُخْبرُ
أَنَا مِنْهُ بَيْنَ صَبَابَةٍ لا يَنْقَضي
مِيقَاتُهَا وَمَواعِدٍ لا تُثْمِرُ
جِسْمٌ بَرَتْهُ يَدُ الضَّنَى حَتَّى غَدَا
قَفَصاً بِهِ لِلْقَلْبِ طَيْرٌ يَصْفِرُ
لَوْلا التَّنَفُّسُ لاعْتَلَتْ بِيَ زَفْرَةٌ
فَيَخَالُنِي طَيَّارَةً مَنْ يُبْصِرُ
لا غَرْوَ أَنْ أَصْبَحْتُ تَحْتَ قِيَادِهِ
فَالْحُبُّ أَغْلَبُ لِلنُّفُوسِ وَأَقْهَرُ
يَعْنُو لِقُدْرَتِهِ الْمَلِيكُ الْمُتَّقَي
وَيَهَابُ صَوْلَتَهُ الْكَمِيُّ الْقَسْوَرُ
وَالْعِشْقُ مَكْرُمَةٌ إِذَا عَفَّ الْفَتَى
عَمَّا يَهِيمُ بِهِ الْغَوِيُّ الأَصْوَرُ
يَقْوَى بِهِ قَلْبُ الْجَبَانِ وَيَرْعَوِي
طَمَعُ الْحَريصِ وَيَخْضَعُ الْمُتَكَبِّرُ
فَتَحَلَّ بِالأَدَب النَّفِيسِ فَإِنَّهُ
حَلْيٌ يَعِزُّ بِهِ اللَّبِيبُ وَيَفْخَرُ
وَإِذا عَزَمْتَ فَكُنْ بِنَفْسِكَ وَاثِقاً
فَالْمُسْتَعِزُّ بِغَيْرِهِ لا يَظْفَرُ
إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرءِ مِنْ بَدَهاتِهِ
فِي الْخَطْبِ هَادٍ خَانَهُ مَنْ يَنْصُرُ
وَاحْذَرْ مُقَارَنَةَ اللَّئِيمِ وَإِنْ عَلا
فَالْمَرْءُ يُفْسِدُهُ الْقَرِينُ الأَحْقَرُ
وَمِنَ الرِّجَالِ مَنَاسِبٌ مَعْرُوفَةٌ
تَزْكُو مَوَدَّتُهَا وَمِنْهُمْ مُنْكَرُ
فَانْظُرْ إِلَى عَقْلِ الفَتَى لا جِسْمِهِ
فَالْمَرْءُ يَكْبُرُ بِالْفِعَالِ وَيَصْغُرُ
فَلَرُبَّمَا هَزَمَ الْكَتِيبَةَ وَاحِدٌ
وَلَرُبَّمَا جَلَبَ الدَّنيئَةَ مَعْشَرُ
إِنَّ الْجَمَالَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّما
خَفِيَ الصَّوَابُ لأَنَّهُ لا يَظْهَرُ
فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَا تَعِيشُ بِذِكْرِهِ
فَالْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا حَدِيثٌ يُذْكَرُ
0 أبيات مختارة

عن الشاعر

محمود سامي البارودي

مجلس قراء هذه القصيدة

مساحة للتذوق الفني وتبادل الآراء حول الأبيات

💬 التعليقات0

يجب عليك تسجيل الدخول لتتمكن من إضافة تعليق.

تسجيل الدخول / إنشاء حساب