شعار الديوان التميمي

صبوت إلى المدامة والغواني

للشاعر: محمود سامي البارودي

صَبَوْتُ إِلَى المُدَامَةِ وَالْغَوَانِي
وَحَكَّمْتُ الْغَوَايَةَ فِي عِنَانِي
وَقُلْتُ لِعِفَّتِي بَعْدَ امْتِنَاعٍ
إِلَيْكِ فَقَدْ عَنَانِي مَا عَنَانِي
فَمَا لِي عَنْ هَوَى الْحَسْنَاءِ صَبْرٌ
يُوقّرُ عِنْدَ سَوْرَتِهِ جَنَانِي
وَكَيْفَ يَضِيقُ مَنْ دَارَتْ عَلَيْهِ
كُؤُوسُ هَوَىً مِن الْحَدْقِ الْحِسَانِ
أَعَاذِلُ خَلَّنِي وَشُؤُونَ قَلْبِي
وَخُذْ مَا شِئْتَهُ فِي أَيِّ شَانِ
فَقَدْ شَبَّ الْهَوَى مَنْ رَامَ نُصْحِي
وَأَغْرَى فِي الْمَحَبَّةِ مَنْ نَهَانِي
رَضِيتُ مِنَ الْهَوَى بِنُحُولِ جِسْمِي
وَمِنْ صِلَةِ الْبَخِيلَةِ بِالأَمَانِي
وَلَسْتُ بِطَالِبٍ فِي النَّاسِ خِلّاً
يُنَاصِحُنِي فَعَقْلِي قَدْ كَفَانِي
بَلَوْتُ النَّاسَ وَاسْتَخْبَرْتُ عَنْهُمْ
صُرُوفَ الدَّهْرِ آناً بَعْدَ آنِ
فَمَا أَبْصَرْتُ غَيْرَ أَخِي كِذَابٍ
خَلُوبِ الْوُدِّ مَصنُوعِ الْحَنانِ
يُصَرِّحُ بِالْعَدَاوَةِ وَهْوَ نَاءٍ
وَيَمْذُقُ فِي الْمَحَبَّةِ وَهْوَ دَانِي
لَهُ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ لِسَانٌ
يَدُورُ بِهِ عَلَى حُكْمِ الزَّمَانِ
فَلا تَأْمَنْ عَلَى نَجْوَاكَ صَدْرَاً
فَرُبَّ خَدِيعَةٍ تَحْتَ الأَمَانِ
وَلا يَغْرُرْكَ قَوْلٌ دُونَ فِعْلٍ
فَإِنَّ الْحُسْنَ قبْحٌ فِي الْجَبَانِ
وَمَا أَنَا وَالطِّبَاعُ لَهَا انْخِدَاعٌ
بِذِي تَرَفٍ يُرَوَّعُ بِالشِّنَانِ
رَغِبْتُ بِشِيمَتِي وَعَرَفْتُ نَفْسِي
وَلَمْ أَدْخُلْ لَعَمْرُكَ فِي قِرَانِ
وَمَا شُرْبِي الْمُدَامَ هَوىً وَلَكِنْ
عَقَدْتُ بِحَدِّ سَوْرَتِهَا لِسَانِي
مَخَافَةَ أَنْ تَهِيجَ بَنَاتِ صَدْرِي
فَيَظْهَرَ بَعْضُ سِرِّي لِلْعيانِ
وَفِيمَ وَقَدْ بَلَوْتُ الدَّهْرَ أَبْغِي
صَدِيقاً أَوْ أَحِنُّ إِلَى مَكَانِ
وَلَسْتُ أَرَى سِوَى صُبْحٍ وَجُنْحٍ
إِلَيْنَا بِالرَّدَى يَتَسَابَقَانِ
فَيَا مَنْ ظَنَّ بِالأَيَّامِ خَيْرَاً
رُوَيْدَكَ فَهْيَ أَقْرَبُ لِلْحِرَانِ
أَتَرْغَبُ فِي السَّلامَةِ وَهْيَ دَاءٌ
وَتَجْمَعُ لِلْبَقَاءِ وَأَنْتَ فَانِي
دَعِ الدُّنْيَا وَسَلِّ الْهَمَّ عَنْهَا
إِذَا اعْتَكَرَتْ بِصَافِيَةِ الدِّنَانِ
فَإِنَّ الرَّاحَ رَاحَةُ كُلِّ نَفْسٍ
إِذَا دَارَتْ عَلَى نَغَمِ الْقِيَانِ
مِنَ الْخَمْرِ الَّتِي دَرَجَتْ عَلَيْهَا
أَفَانِينٌ مِنَ الْعُصُرِ الْفَوَانِي
تَخَالُ وَمِيضَهَا فِي الْكَأْسِ نَارَاً
فَتَلْمِسُهَا بِأَطْرَافِ الْبَنَانِ
فَخُذْهَا غَيْرَ مُدَّخِرٍ نَفِيساً
فَلَيْسَ الْعُمْرُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ
وَخَلِّ النَّاسَ عَنْكَ فَلَيْسَ فِيهِمْ
سَلِيمُ الْقَلْبِ عِنْدَ الاِمْتِحَانِ
تَمَاثِيلٌ تَدُورُ بِلا عُقُولٍ
وَأَلْفَاظٌ تَمُرُّ بِلا مَعَانِي
تَشَابَهَتِ الأَسَافِلُ بِالأَعَالِي
فَمَا يُدْرَى الْهَجِينُ مِنَ الْهِجَانِ
تَرَى كُلَّ ابْنِ أُنْثَى لا يُبَالِي
بِمَا جَرَّتْ عَلَيْهِ مِنَ الْهَوَانِ
يُدلُّ بِنَفْسِهِ إِنْ غِبْتُ عَنْهُ
وَيشْرقُ بِالزُّلالِ إِذَا رَآنِي
فَمَنْ لِي وَالأَمَانِي كَاذِبَاتٌ
بِيَوْمٍ فِي الْكَرِيهَةِ أَرْوَنَانِ
أُلاعِبُ فِيهِ أَطْرَافَ الْعَوَالِي
وَأُطْلِقُ بَيْنَ هَبْوَتِهِ حِصَانِي
تَرَانِي فِيهِ أَوَّلَ كُلِّ دَاعٍ
وَيَرْتَفِعُ الْغُبَارُ فَلا تَرَانِي
إِلَى أَنْ تَنْجَلِي الْغَمَرَاتُ عَنْهُ
وَيَعْرِفَنِي بِفَتْكِي مَنْ بَلانِي
أَنَا ابْنُ اللَّيْلِ وَالْخَيْلِ الْمَذَاكِي
وَبِيضِ الْهِنْدِ وَالسُّمْرِ اللِّدَانِ
إِذَا عَيْنٌ أَجَدَّ بِهَا طِمَاحٌ
جَعَلْتُ مَكَانَ حَبَّتِهَا سِنَانِي
0 أبيات مختارة

عن الشاعر

محمود سامي البارودي

💬 التعليقات0

يجب عليك تسجيل الدخول لتتمكن من إضافة تعليق.

تسجيل الدخول / إنشاء حساب