شعار الديوان التميمي

دال السكون من الحراك الدائم

للشاعر: جبران خليل جبران

دَالَ السُّكُونُ مِنَ الحَرَاكِ الدَّائِمِ
وَأَقَرَّ بَعْدَ السُّهْدِ عَيْنَ النَّائِمِ
دُنْيَا يَعُودُ العَقْلُ فِي تَصْرِفِهَا
حَيْرَانَ بَيْنَ غَرِيمِهَا وَالغَانِمِ
حَتَّى لَيَسْأَلُ مَنْ أَضَلَّهُمَا إِذَا
مَا قَاسَ بَيْنَ حَلِيمِهَا وَالحَالِمِ
إنْ تَأْسَ مِصْرَ فَمَا أَسَاهَا أَنَّهَا
مَفْجُوعَةٌ فِي لَوْذَعِيٍّ عَالِمِ
أَوْ كَاتِبٍ كَالنِّيلِ فِي فَيضَانِهِ
أَوْ خَاطِبٍ كَالزَّاخِرِ المُتَلاطِمِ
أَوْ جِهْبِذٍ مُتَثَبِّتٍ مُسْتَعْصِمٍ
بِالحَقِّ لا يَلْوِي بِلَوْمَةِ لائِمِ
أَوْ ذَائِدٍ عَنْ مَجْدِ أُمَّتِهِ إِذَا
عَزَّ النَّصِيرُ وَصَالَ كُلُّ مُخَاصِمِ
أَوْ بَاحِثٍ عَمَّا طَوَتْ أَسْفَارُهَا
طَيَّ الجَوَاهِرِ فِي بُطُونِ مَنَاجِمِ
تَبْكِي أُولَئِكَ كُلَّهُمْ فِي رَاحِلٍ
رَاعَ القُلُوبَ بِأَيِّ خَطْبِ دَاهِمِ
فَتَعَدَّدَتْ أَرْزَاؤُهَا وَتَفَاقَمَتْ
فِي رُزْئِهِ المُتَعَدِّدِ المُتَفَاقِمِ
شَيْخَ العُرُوبَةِ أَيْنَ صَائِنُ إِرْثِهَا
وَمُعِيدُ نَضْرَةِ عَهْدِهَا المُتَقَادِمِ
بَلْ أَيْنَ فِي الفُسْطَاطِ مَوْئِلُ قَوْمِهَا
مِنْ بَارِحٍ يُخْلِس المَزَارِ لِقَادِمِ
يَفِدُ الغَرِيبُ إِلَيْهِ وَهْوَ كَأَنَّهُ
يَمْشِي مِنَ الأَشْوَاقِ بَيْنَ مَعَالِمِ
فَالدَّارُ مِنْ لُطْفِ الضِّيَافَةِ دَارُهُ
وَوَلِيُّهَا المَخْدُومُ شِبْهُ الخَادِمِ
دَارٌ أَجَدَّ بِهَا النَّوَى لِنَزِيلِهَا
أَشْهَى الطَّرَائِفِ مِنْ قِرُى وَمَكَارِمِ
تَتَنَافَسُ الزِّينَاتُ تَرْحِيباً بِهِ
وَيُكَاثِرُ الإِينَاسُ جُودَ الطَّاعِمِ
فَلِعَيْنِهِ وَلِسَمْعِهِ وَلِقَلْبِهِ
وَلِجِسْمِهِ فِيهَا فُنُونُ وَلائِمِ
فَدَحَ المُصَابُ وَقَدْ أَلَمَّ بِقَسْوَرٍ
وَردٍ ذَكِيِّ الطَّرْفِ أَرْوَعَ باسمِ
سُقِيَتْ نَضَارَةُ وَجْهِهِ صَفْوَ النَّدَى
مِنْ شَيبِهِ بَعْدَ الشَّبَابِ الفَاحِمِ
بِأَصَمَّ إِلاَّ أَنْ تُحَدِّثَهُ العُلَى
بِحَدِيثِ غَايَاتٍ سَمَتْ وَعَظَائِمِ
أَوْ أَنْ يُبَاحَ لَهُ بِحَاجَةِ آمِلٍ
أَوْ أَنْ تُسَرَّ إِلَيْهِ شَكْوَى كَاتِمِ
بِمُحَبِّبٍ فِي قَلْبِ كلِّ مُوَادِعٍ
وَمُبَغَّضٍ فِي وَجْهِ كُلِّ مُصَادِمِ
جَلْدٌ عَلَى الآفَاتِ لَمْ يُحْرِقْ عَلَى
سُؤْلٍ إِذَا مَا فَاتَ ن سِنَّ النَّادِمِ
وَعَلَى التَّبَايُنِ فِي العَوَاقِبِ يَنْثَنِي
بِجَدِيدِ فَخْرٍ أَوْ بِعِرْضِ سَالِمِ
حَسْبُ المُجَاهِدِ سَعْيُهُ إِنْ لَمْ يَفُزْ
شَرَفُ المَرَامِ مُشَرِّفٌ لِلرَّائِمِ
سَلَخَ الغَوَالِي مِنْ سِنِيهِ مُكَافِحاً
دُونَ العُرُوبَةِ كُلَّ بَاغٍ آثِمِ
وَمُعَاتِباً أسيَافَهَا أُغْمِدَتْ
وَالغِمْدُ أَكَّالٌ لِنَصْلِ الصَّارِمِ
وَمُعَالِجاً أَزَمَاتِهَا مَا أَعْضَلَتْ
بِمَضَاءِ مِقْدَامٍ وَدُرْبَةِ حَازِمِ
وَمُقَرِّباً شُقَقَ الخِلافِ وَوَاصِلاً
مَا قَطَّعَتْهُ يَدُ الشِّقَاقِ الفَاصِمِ
جَاهِدْ عَدُوَّكَ مَا اسْتَطَعْتَ جِهَادَهُ
أَمَّا أَخَاكَ فَمَا اسْتَطَعْتَ فَسَالِمِ
حَق البِلادِ عَلَيْكَ أَعْلَى حُرْمَةً
مِنْ أَنْ يُضَاعَ بِمُزْرِيَاتِ سَخَائِمِ
يا أُمَّةَ الضَّادِ الَّتِي فِي حُبِّهَا
بَذَلَ النَّفِيسَ وَلَمْ يَكُنْ بِمُسَاوِمِ
إِنْ تُكْرِمِي بِالحَقِّ ذِكْرَى مَاجِدٍ
فَالمَجْدُ لا يُرْضِيهِ نَوْحُ حَمَائِمِ
عَلِمَ الأُولَى مَاتُوا وَلَيْتَ بَنِيِمُو
عَلِمُوا بِأَنَّ المَوْتَ ضَرْبَةُ لازِمِ
وَبِأَنَّ عُمْراً يُسْتَطَالُ عَلَى القَذَى
إِنْ طَالَ لا يَعْدُو تَمَهُّلَ غَارِمِ
وَبِأَنَّ خَاتِمَةَ المَطَافِ قَرِيبَةٌ
لأخِي الشَّقَاءِ وَلِلقَرِيرِ النَّاعِمِ
يَا بَانِياً للهِ أَرْوَعَ مَسْجِدٍ
نَظَمَ البَدَائِعَ فِيهِ أَبْرَعُ نَاظِمِ
نَهَضَ البِنَاءُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَوَّضَتْ
رَبَّ البِنَاءِ يَدُ الزَّمَانِ الهَادِمِ
هِيَ حِكْمَةٌ للهِ بَالِغَةٌ وَإِنْ
خَفِيَتْ وَذَلِكَ حُكْمُ أَعْدَلِ حَاكِمِ
أَلعَبْدُ يُعْطِي مِنْ حُطَامٍ بَائِدٍ
وَاللهُ يَجْزِي بِالنَّعِيمِ الدَّائِمِ
0 أبيات مختارة

عن الشاعر

جبران خليل جبران

💬 التعليقات0

يجب عليك تسجيل الدخول لتتمكن من إضافة تعليق.

تسجيل الدخول / إنشاء حساب