تصابيت بعد الحلم واعتادني زهوي
للشاعر: محمود سامي البارودي
تَصَابَيْتُ بَعْدَ الْحِلْمِ وَاعْتَادَنِي زَهْوِي
وَأَبْدَلتُ مَأْثُورَ النَّزَاهَةِ بِاللَّهْوِ
وَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَعُودَ غَوَايَتِي
إِلَيَّ وَلَكِنْ نَظْرَةٌ حَرَّكَتْ شَجْوِي
عَلَى أَنَّنِي غَالَبْتُ شَوْقِي فَعَزَّنِي
وَنَادَيْتُ حِلْمِي أَنْ يَعُودَ فَلَمْ يَلْوِ
وَمَاذَا عَلَى مَنْ خَامَرَ الْحُبُّ قَلْبَهُ
إِذَا مَالَ مَعْهُ لِلْخَلاعَةِ وَالْصَّبْوِ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يُعْطِ الْحَيَاةَ نَصِيبَهَا
مِنَ اللَّهْوِ قَادَتْهُ الْهُمُومُ إِلَى الشَّكْوِ
وَهَلْ فِي الصِّبَا وَاللَّهْوِ عَارٌ عَلَى الْفَتَى
إِذَا الْعِرْضُ لَمْ يَدْنَسْ بِإِثْمٍ وَلا بَعْوِ
لَعَمْرُكَ مَا قَارَفْتُ فِي الْحُبِّ زَلَّةً
وَلا قَادَنِي مَعَهَا إِلَى سَوْءَةٍ خَطْوِي
وَلَكِنَّنِي أَهْوَى الْخَلاعَةَ وَالصِّبَا
وَأَتْبَعُ آثَارَ الفَضِيلَةِ وَالسَّرْوِ
سَجِيَّةُ نَفْسٍ أَدْرَكَتْ مَا تُرِيدُهُ
مِنَ الدَّهْرِ فَاعْتَاضَتْ عَنِ السُّكْرِ بِالصَّحْوِ
وَإِنِّي مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ إِذَا انْتَوَوْا
مَهُولاً مِنَ الأَخْطَارِ بَاؤُوا عَلَى بَأْوِ
أُنَاسٌ إِذَا مَا أَجْمَعُوا الأَمْرَ أَصْبَحُوا
وَمَا هُمْ بِنَظَّارِينَ لِلْغَيْمِ وَالصَّحْوِ
إِذَا غَضِبُوا رَدُّوا الأُمُورَ لأَصْلِهَا
كَمَا بَدَأَتْ وَاسْتَفْتَحُوا الأَرْضَ بِالْغَزْوِ
وَإِنْ حَارَتِ الأَبْصَارُ فِي مُدْلَهِمَّةٍ
مِنَ الأَمْرِ جَاؤُوا بِالإِنَارَةِ وَالضَّحْوِ
شَدَدْتُ بِهِمْ أَزْرِي وَأَحْكَمْتُ مِرَّتِي
وَأَطْلَقْتُ مِنْ حَبْلِي وَأَبْعَدْتُ فِي شَأْوِي
أَصْبَحْتُ مَرْهُوبَ اللِّسَانِ كَأَنَّنِي
سَعَرْتُ لَظَىً بَيْنَ الْحَضَارَةِ وَالْبَدْوِ
فَيَا عَجَبَاً لِلْقَوْمِ يَبْغُونَ خُطَّتِي
وَمَا خَطْوُهُمْ خَطْوِي وَلا عَدْوُهُمْ عَدْوِي
يَرُومُونَ مَسْعَاتِي وَدُونَ مَنَالِهَا
مَرَاقٍ تَظَلُّ الطَّيْرُ مِنْ بُعْدِهَا تَهْوِي
فَإِنْ تَكُ سِنِّي مَا تَطَاوَلَ بَاعُهَا
فَإِنِّي جَدِيرٌ بِالإِصَابَةِ فِي الأَتْوِ
وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ امْرِئِ الْقَوْمِ الَّذِي
إِذَا رَامَ أَمْرَاً لَمْ يَجُزْ سَاحَةَ الْبَهْوِ
لَقُلْتُ وَقَالُوا فَاعْتَلَوْتُ وَخَفَّضُوا
وَلَيْسَ أَخُو صِدْقٍ كَمَنْ جَاءَ بِاللَّغْوِ
وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّنِي بِتُّ سَاهِراً
وَنَامُوا وَمَا عُقْبَى التَّيَقُّظِ كَالغَفْوِ
فَأَصْبَحْتُ مَشْبُوبَ الزَّئِيرِ وَأَصْبَحَتْ
كَأَكْلُبِ حَيٍّ بَيْنَ دَارَاتِهِ تَلْوِي
0 أبيات مختارة
عن الشاعر
محمود سامي البارودي
