شعار الديوان التميمي

أربة العود أم قمرية السحر

للشاعر: محمود سامي البارودي

أَرَبَّةُ الْعُودِ أَمْ قُمْرِيَّةُ السَّحَرِ
غَنَّتْ فَحَرَّكَتِ الأَشْجَانَ بِالْوَتَرِ
حَوْرَاءُ لِلسِّحْرِ فِي أَلْحَاظِهَا أَثَرٌ
يُرِيكَ أَنَّ الرُّقَى ضَرْبٌ مِنَ الْهَذَرِ
لَوْ لَمْ تَكُنْ قَمَراً فِي الْحُسْنِ مَا ظَهَرَتْ
لأَعْيُنِ النَّاسِ فِي لَيْلٍ مِنَ الشَّعَرِ
أَمْلَتْ عَلَيَّ بِلَحْظَيْهَا حَدِيثَ هَوىً
عَرَفْتُ مِنْهُ ضَمِيرَ الْعَينِ بِالأَثَرِ
كَأَنَّمَا بَيْنَ جَفْنَيْهَا إِذَا نَظَرَتْ
هَارُوتُ يَعْبَثُ بِالأَلْبَابِ وَالْفِكَرِ
لا غَرْوَ أَنْ هِمْتُ مِنْ وَجْدٍ بِصُورَتِهَا
فَالْحُسْنُ مَشْغَلَةٌ لِلْعَقْلِ وَالْبَصَرِ
لا تَقْنَعُ الْعَيْنُ مِنْهَا كُلَّمَا نَظَرَتْ
وَكَيْفَ يَقْتَنِعُ الْمُشْتَاقُ بِالنَّظَرِ
نَاغَيْتُهَا بِلِسَانِ الشَّوْقِ فَازْدَهَرَتْ
لِلْحُسْنِ في وَجْنَتَيْهَا وَرْدَتَا خَفَرِ
وَازْوَرَّ حَاجِبُهَا عَنْ نَظْرَةٍ رَشَقَتْ
سَوَادَ قَلْبِي بِسَهْمٍ صِيغَ مِنْ حَوَرِ
فَلَمْ أَزَلْ بِرُقَى الأَشْعَارِ أَعْطِفُهَا
وَرُقْيَةُ الشِّعْرِ تُجْرِي الْمَاءَ فِي الْحَجَرِ
حَتَّى إِذَا عَلِمتْ أَنِّي بِهَا كَلِفٌ
وَأَنَّنِي مِنْ تَجَنِّيهَا عَلَى خَطَرِ
تَبَسَّمَتْ فَجَلَتْ لِلْعَيْنِ مِنْ فَمِهَا
يَاقُوتَةً أُودِعَتْ سَطْرَيْنِ مِنْ دُرَرِ
فَبِتُّ مِنْ وَصْلِهَا فِي جَنَّةٍ يَنَعَتْ
أَفْنَانُهَا بِثِمَارِ الأُنْسِ وَالْحَبَرِ
أَبَحْتُ لِلْعَيْنِ فِيهَا مَا تَقَرُّ بِهِ
وَذُدْتُ كَفَّ الصِّبَا عَنْ مَعْقِدِ الأُزُرِ
حَتَّى اشْرَأَبَّتْ عُقَابُ الْفَجْرِ وَانْطَلَقَتْ
حَمَائِمُ الشُّهْبِ مِنْ أُحْبُولَةِ السَّحَرِ
فَيَا لَهَا لَيْلَةً كَانَتْ بِرَوْنَقِهَا
تَارِيخَ لَهْوٍ لِمَا أَحْرَزْتُ مِنْ وَطَرِ
وَسَمْتُهَا بِضِياءِ الْكَأْسِ فَالْتَمَعتْ
وَزِينَةُ الدُّهْمِ فِي الأَوْضَاحِ وَالْغُرَرِ
لَوْ كَانَ يَسْمَحُ لِي دَهْرِي بِعَوْدَتِهَا
لَبِعْتُ فِيهَا لَذِيذَ النَّوْمِ بِالسَّهَرِ
وَلَّتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيْرُ فَذْلَكَةٍ
تَلُوحُ فِي دَفْتَرِ الأَوْهَامِ وَالذُّكَرِ
وَأَيُّ بَاقٍ عَلَى الأَيَّامِ نَطْلُبُهُ
وَكُلُّ وَارِدَةٍ يَوْمَاً إِلَى صَدَرِ
فَلا تَثِقْ بِوَفَاءِ الدَّهْرِ إِنَّ لَهُ
غَدْراً يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعُودِ والثَّمَرِ
وَلا تَغُرَّنْكَ مِنْ وَجْهٍ بَشَاشَتُهُ
فَالسّمُّ يُوجَدُ فِي نَضْرٍ مِنَ الشَّجَرِ
قَدْ كِدْتُ أُتْهِمُ ظَنِّي فِي فِرَاسَتِهِ
مِنْ طُولِ مَا اشْتَبَهَتْ عَيْنَايَ فِي الصُّوَرِ
فَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ دُنْيَاكَ مَا سَمَحَتْ
بِهِ إِلَيْكَ وَكُنْ مِنْهَا عَلَى حَذَرِ
وَسَالِمِ الدَّهْرَ تَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِهِ
فَصَاحِبُ الشَّرِّ لا يَنْجُو مِنَ الْكَدَرِ
لا يَبْلُغُ الْمَرْءُ مَا يَهْوَاهُ مِنْ أَرَبٍ
إِلَّا بِتَرْكِ الَّذِي يَخْشَاهُ مِنْ ضَرَرِ
فَانعَم وَطِب وَالهُ وَاطرَب وَاسعَ وَاعلُ وَسُد
وَاشْرَبْ وَغَنِّ وَتِهْ وَالْعَبْ وَهِمْ وَطِرِ
لا يَقْنَطُ الْمَرْءُ مِنْ غُفْرَانِ خَالِقِهِ
مَا لَمْ يَكُنْ كَافِرَاً بِالْبَعْثِ وَالْقَدَرِ
0 أبيات مختارة

عن الشاعر

محمود سامي البارودي

💬 التعليقات0

يجب عليك تسجيل الدخول لتتمكن من إضافة تعليق.

تسجيل الدخول / إنشاء حساب