شعار الديوان التميمي

أبابل رأي العين أم هذه مصر

للشاعر: محمود سامي البارودي

أَبَابِلُ رَأْيَ الْعَيْنِ أَمْ هَذِهِ مِصْرُ
فَإِنِّي أَرَى فيها عُيُوناً هِيَ السِّحْرُ
نَوَاعِس أَيْقَظْنَ الْهَوَى بِلَوَاحِظٍ
تَدِينُ لَهَا بِالْفَتْكَةِ الْبِيضُ وَالسُّمْرُ
فَلَيْسَ لِعَقْلٍ دُونَ سُلْطَانِها حِمىً
وَلا لِفُؤادٍ دُونَ غِشْيَانِهَا سِتْرُ
فَإِنْ يَكُ مُوسَى أَبْطَلَ السِّحْرَ مَرَّةً
فَذَلِكَ عَصْرُ الْمُعْجِزَاتِ وَذَا عَصْرُ
فَأَيُّ فُؤادٍ لا يَذُوبُ صَبَابَةً
وَمُزْنَةِ عَيْنٍ لا يَصُوبُ لَهَا قَطْرُ
بِنَفْسِي وَإِنْ عَزَّتْ عَلَيَّ رَبِيبَةٌ
مِنَ الْعينِ في أَجْفَانِ مُقْلَتِهَا فَتْرُ
فَتَاةٌ يَرِفُّ الْبَدْرُ تَحْتَ قِناعِهَا
وَيَخْطِرُ فِي أَبْرَادِهَا الْغُصنُ النَّضْرُ
تُرِيكَ جُمَانَ الْقَطْرِ في أُقْحُوانَةٍ
مُفَلَّجَةِ الأَطْرَافِ قِيلَ لَهَا ثَغْرُ
تَدِينُ لِعَيْنَيْهَا سَوَاحِرُ بَابِلٍ
وَتَسْكَرُ مِنْ صَهْبَاءِ رِيقَتِهَا الْخَمْرُ
فَيَا رَبَّةَ الْخِدْرِ الَّذِي حَالَ دُونَهُ
ضَرَاغِمُ حَرْبٍ غَابُهَا الأَسَلُ السُّمْرُ
أَمَا مِنْ وِصَالٍ أَسْتَعِيذُ بِأُنْسِهِ
نَضَارَةَ عَيْشٍ كَانَ أَفْسَدَهُ الْهَجْرُ
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا بِحُبِّكِ عَالِمَاً
بِأَنَّ جُنُونِي فِي هَوَاكِ هُوَ الْفَخْرُ
فَلا تَحْسَبِي شَوْقِي فُكَاهَةَ مَازحٍ
فَمَا هُوَ إِلَّا الْجَمْرُ أَوْ دُونَهُ الْجَمْرُ
هَوىً كَضَمِيرِ الزَّنْدِ لَوْ أَنَّ مَدْمَعِي
تَأَخَّرَ عَنْ سُقْيَاهُ لاحْتَرَقَ الصَّدْرُ
إِذَا مَا أَتَيْتُ الْحَيَّ فَارَتْ بِغَيظِهَا
قُلُوبُ رِجَالٍ حَشْوُ آماقِهَا الْغَدْرُ
يَظُّنُّونَ بِي شَرَّاً وَلَسْتُ بِأَهْلِهِ
وَظَنُّ الْفَتَى مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وِزْرُ
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ إِنْ تَرَنَّمَ شَاعِرٌ
بِقَافِيَةٍ لا عَيْبَ فِيهَا وَلا نُكْرُ
أَفِي الْحَقِّ أَنْ تَبْكِي الْحَمَائِمُ شَجْوَها
ويُبْلَى فَلا يَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ حُرُّ
وَأَيُّ نَكِيرٍ فِي هَوىً شَبَّ وَقْدُهُ
بِقَلْبِ أَخِي شَوْقٍ فَبَاحَ بِهِ الشِّعْرُ
فَلا يَبْتَدِرْنِي بِالْمَلامَةِ عَاذِلٌ
فَإِنَّ الْهَوَى فِيهِ لِمُعْتَذِرٍ عُذْرُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحُبِّ فَضْلٌ عَلَى النُّهَى
لَمَا ذَلَّ حَيٌّ لِلْهَوَى وَلَهُ قَدْرُ
وَكَيْفَ أَسُومُ الْقَلْبَ صَبْراً عَلَى الْهَوى
وَلَمْ يَبْقَ لِي فِي الْحُبِّ قَلْبٌ وَلا صَبْرُ
لِيَهْنَ الْهَوَى إِنِّي خَضَعْتُ لِحُكْمِهِ
وَإِنْ كَانَ لِي فِي غَيْرِهِ النَّهْيُ وَالأَمْرُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ تَأْبَى لِيَ الضَّيْمَ صَوْلَةٌ
مَوَاقِعُهَا فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ حُمْرُ
أَبِيٌّ عَلَى الْحِدْثَانِ لا يَسْتَفِزُّنِي
عَظِيمٌ وَلا يَأْوِي إِلَى سَاحَتِي ذُعْرُ
إِذَا صُلْتُ صَالَ الْمَوْتُ مِنْ وَكَرَاتِهِ
وَإِنْ قُلْتُ أَرْخَى مِنْ أَعِنَّتِهِ الشِّعْرُ
0 أبيات مختارة

عن الشاعر

محمود سامي البارودي

💬 التعليقات0

يجب عليك تسجيل الدخول لتتمكن من إضافة تعليق.

تسجيل الدخول / إنشاء حساب